Friday, November 1, 2013

٢٤ ساعة في سيؤول

لعل العاصمة الكورية سيؤل مدينة مثيرة للحواس بكل ما فيها، حيث أن أصغر شارع فيها ينبض بالحياة نهاراً و يشع بأضواء النيون الصارخة ليلاً. ولكن على الرغم من حداثة و عصرية  هذه المدينة التي تُعد من أكثر مدن العالم المأهولة بالسكان وبمساحة تقارب مساحة دولة لوكسمبورغ في أوروبا فإن لها وجهاً تاريخياً و تقليدياً متأصل بشكلٍ يُثير الإهتمام. 
 يا ترى ما هو السر الذي يجعل سيؤل مدينة فريدة و مختلفة؟ ممتعةو صاخبة؟ حديثة و عريقة؟ 


سيؤل مدينة مفعمة بالحياة، نبضها صارخ و بنايتها الشاهقة هي أكبر دليل على تجسيد الطموح عند الكوريين بالتألق و النجاح و التفوق وهي مدينة تبلغ من التطور ما قد يُلحق العار بالمدن العربية وتتمتع بنظام مواصلات عامة كفء و سريع. وبمعدل جريمة يكاد أن لايذكر. يجعلها مدينة أمنٍ وأمان وإن قرأ القراء خبراً عن تهديدات كوريا الشمالية فما لها من وجود في حياة ال خمسة عشر مليون كوري الذين يعيشون في هذه المدينة أو الخمسين مليون في البلاد أجمع.
   

قد لا يكفي يوم واحد في سيؤل بأن يشبع فضولك بالتعرف عليها ولكن بكل تأكيد سيمنحك الفرصة على ارضاء حواسك فيما تراه و تسمعه وتتذوقه. فهيا بنا..
لا بد أن تبدأ يومك بفنجان من القهوة فثقافة القهوة في سيؤل تحديداً ليس كمثلها مثيل.. وقد تحتار أيها ألذ من بين ما يفوق عشرات متاجر القهوة في منطقة واحدة، عليك بالقهوة الأمريكية المعتادة أو ربما كوب من الكابتشينو  وإن كنت تريد أن تقترب بذوقك أكثر من كوريا فعليك أن تحتسي قهوة البطاطا الحلوة أو الحليب المخفوق مع الشاي الأخضر. نكهات حلوة تجعلك تتزلج على قوس قزح من الألوان البهية.


هكذا وقد أشبعت حرمانك من الكافيين فيبدو أنك مستعد كل الإستعداد لأن تحتل العالم...ربما ليست فكرة جيدة الآن حيث عليك أن توفر تلك الطاقة للتجوال في رحاب سيؤول، المدينة التي تضج بالحياة. 

توجه إلى محطة (أنگوك) في خط المترو ذي اللون البرتقالي وهو رقم ٣. وبالقرب من المخرج رقم واحد انطلق الى سامشونغ-دونغ الشهيرة بمنازلها الكورية التقليدية حيث تقع هذه المنطقة في شمال سيؤل و تعتبر المكان الذي عاش فيه علية القوم في زمن حضارة جوسون. احرص على المشي بين تلك البيوت الكورية العتيقة التي تقف شامخة ويفوح منها عبق التاريخ. ان قرب هذه المنطقة من وسط المدينة يجعلها مكاناً فريداً وجذاباً في آنٍ واحد لمتذوقي الفن ولذلك سوف تلحظ المعارض الفنية الأنيقة و متاجر الحُلي الصغيرة متناثرة على أعتاب الحس التقليدي لتلك المنطقة. 


وعلى مقرب من هذه المنطقة يوجد القصر الملكي الشهير  (كيونغبوك كونغ) والذي يعتبر المكان المثالي لتعود الى عصور التاريخ القديم و تكتشف اكثر و اكثر عن كوريا و حضاراتها.. تجول بجانب المنزل التقليدي الموجود بقرب بحيرة صغيرة و احرص ان تلقط صورة لذلك الانعكاس الفاتن. من المتوقع أن تشاهد عرضاً لجنودٍ تاريخين في باحة القصر، انظر و كأنك ركبت آلة الزمن.



وبعد أن أمضيت ما أمضيته من وقت، فقد آن الأوان للتسوق حتى الرمق الأخير وإن كنت من عشاق التسوق فإن سيؤول هي منزلك حيث أنها مدينة تجمع العصري و التقليدي، الأسواق الشعبية والمتاجر متعددة الطوابق. توجه الى محطة منطقة ميونغ دونغ الواقعة على خط المترو ذي اللون الأزرق الفاتح على خط المترو رقم أربعة وهنا سوف تعيش تجربة حقيقية لمتعة التسوق.. قد تشاهد بائعين وبائعات يروجون لمنتجات متاجرهم و يصرخون (تفضل تفضل) أو شاهد السيدة التي تصنع عصير الليمون المنعش وقد يبدو أنك لا تريد الإقتراب من الرجل الذي يشوي الأخطبوط والحبار ولكنها تعتبر أكلات خفيفة يعشقها الكوريين وبعض الأجانب. 


في منطقة يونغسان توجد جنة التكنلوجيا والإلكترونيات من علامات تجارية محلية وعالمية.. اسأل عما تريد تجده أمامك و بأسعار متفاوتة، 

 مر الوقت وحان موعد الغداء؟ للأسف لا توجد ثقافة الأكل الحلال في سيؤل الا بضع مطاعم عربية و اسلامية  في منطقة ايتيوان و التي ايضا يوجد فيها مسجد سيؤل المركزي
ولكن لماذا لا تتجرأ وتفعل كما يفعل الكوريين جرّب الأطعمة التي تباع في الشارع مثل كعك الأرز الحار( الطوكبوككي) فإن فعلت سوف يصرخن السيدات االبائعات ب ( كامساهمنيدا) والتي تعني شكراً جزيلاً عندما تغادر المكان! 


وحديثاً عن الطعام الكوري فإني أعتقد بأنه الأكثر تألقاً بين جميع المأكولات في العالم أمام الكاميرا. فإحرص على التقاط الكثير من الصور و تذكر دائماً أن تبتسم وأنت تقول (كيمتشي) اذا ما ظهرت في إحدى الصور. 


هل ترغب ركوب الدراجة الهوائية بمحاذاة نهر الهان؟ وماذا عن المشي قريبا من الجدول المائي في تشونغ غيه تشون؟ أو توجه الى منطقة كانغنام الشهيرة نسبة للاغنية العالمية (كانغنام ستايل) شاهد الكوريين وهم يسابقون الوقت لملاقاة أصدقائهم بعد يوم من العمل لتناول الطعام و الشراب و اللهو قليلاً. حينئذ سوف تشاهد ان تلك المدينة انقلبت لوهج من النور والاضواء الصاخبة فهي حقاً المدينة التي لا تنام. ولما لا تلهو انت ايضاً  اصحب اصدقاءك وتوجه الى احدى غرف الاغاني (نوري بانغ) حيث يمكنك الغناء لساعة او ساعات او شاهد فيلما كوريا في دور العرض المتقدمة تقنياً و ان كنت متعباً وترغب بالاسترخاء انصحك ان تجرب الساونا الكورية (الجيم جيل بانغ) فمهما طال يومك او  كانت الآمك فسوف تتنتهي في حوض الماء الساخن او ربما الغرفة الجليدية. 


وهنا تحط رحالك بعد يوم حافل وكوري بامتياز تذكر جيدا انك ضيف على هذه المدينة و ان لها ثقافة ضاربة الجذور بتأثير المفكر كونفوشيوش والتي يقال ان كوريا هي الدولة الاكثر تأثرا بهذه الثقافة.. ربما استمتعت  باستخدام عيدان الاكل او تعلمت بعض الكلمات الكورية ولكن انتبه فقد يغضب اصدقاءك الكوريين ان اعطوك اي شيء واستقبلته  بيد واحدة. الأصح ان تعطي و تستلم بيديك الاثنتين فذلك من الاداب الاجتماعية الكورية. 

No comments:

Post a Comment